كواحد من تدابير الوقاية في زمن الوباء، شرع مجلس النواب الأميركي في مايو 2020 في عقد جلسات استماع اللجان عن بعد، وذلك حتى يستطيع الشهود الإدلاء بشهاداتهم من البيت بدلاً من الإدلاء بها في قاعة جلسة مكتظة. هذا الأمر سمح للأشخاص من مختلف الخلفيات، وليس فقط لأولئك الذين يعيشون بالقرب من واشنطن أو القادرين على السفر إلى هناك بعد إشعار قصير، بأن يقولوا كلمتهم أمام الكونجرس.
والنتائج تشير إلى أن هذا ينبغي أن يصبح القاعدة الجديدة. فبعد الاستماع إلى مجموعة واسعة من المتحدثين خلال العام الماضي – أشخاص وُجهت لهم الدعوة نظرا لتجاربهم ووجهات نظرهم القيّمة، بغض النظر عن قربهم من مقر الكونجرس – أعتقدُ أن مواصلة هذه الممارسة ضرورية من أجل تحقيق مسؤولية الكونجرس في بناء قوانيننا على مساهمة الجمهور وانخراطه.
وللأسف، مجلس النواب ومجلس الشيوخ نفساهما لا يشبهان كثيراً البلد الذي نخدمه، سواء من الناحية الإثنية أو الاقتصادية أو التعليمية. واستطلاعات الرأي تجد في كثير من الأحيان أن الجمهور الأميركي يشعر بأن الكونجرس لا يستمع إليه أو يشبهه. واللافت هنا أن الكثير من زملائي يسخرون من «النخب» على الرغم من أن أغلبية الأعضاء في الكونجرس الأخير كانوا مليونيرات، ومتوسط ثروتهم يفوق مليون دولار.
تلك الثروة تميل إلى عزل الكونجرس عن العراقيل المالية التي يواجهها معظم الأشخاص من أجل رحلة إلى واشنطن بعد إشعار قصير. ذلك أن رحلات اللحظة الأخيرة باهظة الثمن، والكثير من الأشخاص العاملين لا يستطيعون أخذ إجازة بضعة أيام، لأن وظيفتهم لا تسمح بذلك أو لأنهم لا يستطيعون تحمل كلفة خسارة دخلهم. وهذا يصدق على الخبراء العلميين والتقنيين مثلما يصدق على غيرهم.
وكخطوة أولى على طريق تصحيح هذا الاختلال، نحن في حاجة للتعود على دعوة مزيد من الأميركيين الذين نؤثّر على حيواتهم من أجل الإدلاء بشهاداتهم في إطار رسمي، تقوم فيه الكاميرات بالتسجيل، ويكون العالم قادرا على متابعتهم في الزمن الحقيقي، بغض النظر عن قدرتهم على الحضور بشكل شخصي من أجل راحتنا. ولا شك أن مواصلة تقديم هذه الشهادات عن بعد سيساعد على ضمان قدرة هؤلاء الخبراء على المساهمة والانخراط.
وهناك أدلة كثيرة على أن تبني هذه المقاربة خلال الجائحة حسّن حياة شهودنا وجودة النصائح التي نتلقاها.
والواقع أنه ليس هناك أي امتياز أو مصلحة حزبية في السماح بالإدلاء بالشهادات عن بعد، والأمر كله يتعلق بالحكامة الجيدة. فأيا تكن قناعتك السياسية فبوسعك أن تتفق على أننا في حاجة لإنهاء ممارسة الاعتماد على شبكة صغيرة من المتحدثين المصقولين، الذين لديهم شبكة علاقات جيدة ليقدِّموا نقاط حديث بدلاً من أن يقدّموا معرفة حقيقية بموضوع الحديث.
غير أن حتى هذه الفكرة البديهية لم تسلم من التسييس. ففي مايو الماضي، بعث كل «جمهوري» في مجلس النواب رسالة إلى رئيسة المجلس نانسي بيلوسي يحثّها فيها على وقف إجراء كل أشغال اللجان عن بعد بدعوى أنها أكثر إرهاقا وبطئا من العمليات الحضورية المباشرة، وأن البلاد تريد أن ترى الكونجرس يعمل وجها لوجه من جديد. والواقع أن هذا الخلاف يلخص الفكرة الأكبر هنا، وهي أنه حتى إذا كان تنوع الشهود يتطلب بعض الجهد الإضافي من جانب الكونجرس، فإن فوائده تفوق بكثير أي إزعاج صغير قد يتسبب فيه وستؤدي إلى تعزيز ثقة الجمهور في الكونجرس أكثر من العودة إلى الطرق القديمة.
إن أعضاء الكونجرس يتخذون قراراتهم بناء على المعلومات المتاحة لهم. وبالنظر إلى تأثير تغير المناخ علينا وتفشي انعدام المساواة الاقتصادية، نحتاج لتحمل مسؤولية أكبر بخصوص كيفية اختيار مصادر معلوماتنا، وبخصوص ما تعكسه تلك الاختيارات لجهة الأشخاص الذين نستمع إليهم.
ولا شك أن التغيير يأتي إلى الكونجرس ببطء. فخلال الأيام الأولى من الوباء حاجج الكثيرون بأنه من المستحيل إدخال الأشغال عن بعد ضمن عمليتنا التشريعية. غير أن السنة الماضية أظهرت أن التغيير عاجل أكثر – وممكن أكثر – مما توقعه المنكرون. ولهذا، علينا الآن اعتماد الإدلاء بالشهادة عن بعد بشكل دائم وجعله ممارسة عادية.
والحق أنه من بين فروع الحكومة الثلاثة، يفترض أن يكون الكونجرس الأقرب إلى الشعب الأميركي. وإذا كنا نريد أن نكون في مستوى مُثلنا، فإن مستوى دخل الشخص وموقعه وطبقته الاجتماعية ينبغي ألا تكون مهمة بالنسبة لمسألة من هو أفضل شخص للحديث عن وجاهة فكرة سياسية.
راؤول جريهالفا
نائب «ديمقراطي» عن ولاية أريزونا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»